يبدو وكأن الأصل في الإبداع أن... يمنع |
في الكتب، كما في السينما والمسرح، يعيش المبدع ملاحقاً بـ«فكرة المنع».. يوسف شاهين قال مرة إنه يبدع أولاً وينتهي من فيلمه، ثم يسحب سيفه ويحارب، لكنه استثناء، والأصل أننا ربينا في الكاتب والمخرج والممثل وكل من يلامس جذوة الإبداع أن «يراقب» نفسه بنفسه بدلاً من عصا رقابة الدولة الغليظة وسجن رقابة المجتمع البغيض، هناك من يعتقد الآن أن التاريخ الحقيقي للإبداع في مصر صنعته معارك المبدعين مع سلطة المنع، وهذا صحيح إلي حد كبير، والشواهد أكثر من أن تحصي. امنع كتابك.. لتبيعه نص المادة ٤٧ من الدستور المصرمصري علي أن حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك. فيما تنص المادة ٤٨ علي أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، وتنص المادة ٤٩ علي أن تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي. ولكن حينما نتحدث عن الكتب الممنوعة، فلابد أن نتحدث عن إحدي الجهات الواعية للمصادرة والمكرسة للرؤية السلفية التي ظهرت بأشكال مختلفة عبر عهود عربية متعاقبة، وهذه الجهة الحديثة هي مجمع البحوث الإسلامية، حيث تنص المادة ١٥ من القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ علي أن مجمع البحوث الإسلامية هيئة إسلامية عليا تختص بدراسة كل ما يتصل بالبحوث والدراسات الإسلامية وإبداء الرأي الشرعي في كل ما يستجد من قضايا ومشكلات تتصل بالعقيدة الإسلامية ومتابعة كل ما ينشر عن الإسلام بما في ذلك بحوث الأجانب للانتفاع بما فيها من رأي صحيح.. ويعني ذلك أنه لا يقع في اختصاصاته إبداء الرأي في الأعمال الأدبية، ولكنه يقوم بهذه المهمة، في الوقت الذي يعجز فيه عن متابعة الشرائط الغنائية الهابطة والكتب التي تروج للجنس والخرافات، ورغم ذلك فقد لعب دوراً أساسياً في ملاحقة الأعمال الأدبية والفكرية، ولا يعتبر نفسه جهة مصادرة وإنما جهة توصية، لها الحق في مصادرة الأعمال ومساءلة مؤلفيها قضائياً، مثل ملاحقته لرواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري حيدر حيدر، التي أطاحت بكل قيادات هيئة قصور الثقافة وعلي رأسها علي أبوشادي. ولا ينفرد المجمع وحده بملاحقة الكتب، وإنما يشاركه في هذه المهمة جبهة علماء الأزهر التي تأسست عام ١٩٤٦، ولعل هذا يذكرنا بعصور التخلف في أوروبا، المؤسسة الدينية «الكنيسة» تسيطر علي سائر شؤون الحياة، وحولت أوروبا كلها إلي محاكم تفتيش، بين التجريم والتحريم. ويمكن القول إن المبدعين دخلوا معركة أمدها يمتد لأكثر من قرن، وأصبح المبدع محاصراً بثلاث سلطات، السلطة الأخلاقية للمجتمع، والوصاية الدينية التي تفرضها المؤسسة الدينية، والوصاية الأمنية بدعوي الحفاظ علي النظام. ويذكر لنا التاريخ العربي الكثير من حالات التكفير والتخوين والملاحقة، فقد أفتي من قبل فقهاء الأندلس بحرق كتب ابن رشد، وكفروا الإمام ابن حزم الظواهري، وأحرقوا كتب الإمام الغزالي، وقتل فقهاء بغداد ثلاثة من عباقرة المسلمين الحلاج وابن المقفع وبشار بن برد، وأفتي تاج الدين عبدالوهاب السبكي في كتابه «مصير النعم ومبيد النقم»، بتجريم نسخ الكتب المضلة، التي لا تنفع الدين، مثل سيرة عنتر، واعتبر المؤرخ ابن كثير السير الشعبية رجساً من عمل الشيطان. حتي الكتب التراثية طالتها يد المنع والتحريم، فجميعنا تابع المعارك البرلمانية حول إعادة إصدار النص الأصلي لكتاب «ألف ليلة وليلة» ،بسبب قصة «الحمال والبنات الثلاثة»، الأمر نفسه بالنسبة لديوان أبونواس، وبالأخص الجزء الأول والثاني منه، ولاحقت النعرة السلفية تحت قبة البرلمان أيضاً كتاب «الفتوحات المكية» لابن عربي، حيث ظل ممنوعاً لزمن طويل رغم أنه صدر عن هيئة الكتاب، وتتصدر الوثائق التاريخية قائمة الممنوعات، حيث لا يسمح بالاطلاع عليها إلا بعد مرور خمسين عاماً. ومن الغريب أن يتهافت القراء علي الكتب الممنوعة والناشرون يستثمرون منعها لرفع سعرها، ورغم ذلك تشهد إقبالاً مرتفعاً، بل ويتم تداولها سراً. وفي مطلع القرن التاسع عشر وتحديداً عام ١٩٢٦، أثار كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» ضجة كبيرة لتناوله قضية الإفراط في إسباغ القداسة علي كل ما هو بشري وإنساني، وعلي أناس يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويفعلون ما يفعله غير المقدسين، وأيضاً ما أسبغه علماء اللغة والأدب والدين القدامي من قداسة علي الشعر الجاهلي، لأنه مصوغ باللغة التي نزل بها القرآن، وبدأت ملاحقة هذا الكتاب تحت قبة البرلمان، حينما طلب مصطفي الغاياتي برجم الكاتب لأنه ارتكب قبائح متعددة منها تكذيب التاريخ ونصوص القرآن، وتشكلت لجان من وزارة المعارف والأزهر واشتعلت المظاهرات، فكتب طه حسين رده علي المزاعم التي أشيعت حول الكتاب، وأرسل خطاباً إلي الجامعة يفيد بوضع النسخ الباقية تحت تصرف الجامعة، وهي ٧٨٧ نسخة.. وعندما لم تهدأ الأزمة قام طه حسين بتغيير عنوان الكتاب إلي «كلمة الشعر الجاهلي إلي الأدب الجاهلي» وحذف بعض العبارات، وغير في بعض الفصول. وفي عام ١٩٢٥ ووسط الأجواء التي تنادي بفكرة إحياء الخلافة الإسلامية، خرج كتاب له دوي القنبلة بعنوان «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ علي عبدالرازق، ويعمل قاضياً لمحكمة المنصورة الشرعية، تساءل الكاتب عن سند الخلافة الإسلامية، وأكد أن القرآن والسنة لم يرد فيهما أي نص عن الخلافة كنظام للحكم، وقال: إن الخلافة لم توجد أبداً بالإجماع باستثناء الخلفاء الثلاثة الأوائل، بعد ذلك لم تقم إلا بقوة السيف وأسنة الرماح، وهاجم الكتاب الخلافة والحكومة الدينية والنظام الملكي أيضاً، فهبت رياح الهجوم بمجرد صدوره من الملك وأتباعه، وخرج كتاب آخر يهاجم هذا الكتاب وهو «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم» لشيخ الأزهر السابق محمد الخضر حسين، وعندما اتسعت دائرة المعركة وأصبحت قضية رأي عام، وأوعزت الحكومة إلي الأزهر أن يجمع هيئة كبار العلماء لمحاكمة عبدالرازق، وعلي الفور اجتماعات الهيئة وقررت أن ما قاله عبدالرازق كفر وإلحاد وخروج عن الدين، واستدعي الأزهر الكاتب في جلسة الحكم، وانفعل شيخ الأزهر عندما رآه وقال: الكتاب ده كتابك؟ فرد الشيخ عبدالرازق أيوه، ومصمم علي كل اللي فيه، وفي ٢٥ أغسطس أصدرت الهيئة حكمها بتجريد الشيخ عبدالرازق من العالمية لأنه أتي بأمور تخالف الدين. وفي عام ١٩٥٩ ثارت زوبعة جديدة بطلها رواية «أولاد حارتنا» للروائي العالمي نجيب محفوظ، والتي بعد صدورها بزمن عرضته لمحاولة اغتيال، واللغز في هذه الرواية الممنوعة أنه لا يوجد قرار صريح بمصادرتها، ولم يتعرض صاحبها لمحاكمة، ولكن علماء الأزهر هاجموها لأنهم رأوا فيها تجسيدا رمزيا لقصة الخلق منذ آدم حتي الرسول عليه الصلاة والسلام، وقيل إن الجبلاوي بطل الرواية هو رمز للخالق، وأدهم هو آدم، وقاسم هو محمد، وهذا هو سبب الاعتراض علي الرواية التي تعيد تمثيل أسطورة الأديان السماوية من جديد.. ومن الروايات التي تعرضت للملاحقة الأزهرية أيضاً، رواية إبراهيم عيسي «العراة»، ورواية يوسف القعيد «الحرب في بر مصر» وكتاب «فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» الصادر عن دار ميريت للكاتب الراحل خليل عبدالكريم، حيث اعتبرته جبهة علماء الأزهر، كتاباً مدسوساً تحت رداء الفكر والبحث العلمي، وكتاب «رب الزمان» للدكتور سيد القمني، الذي حققت معه نيابة أمن الدولة بسبب هذا الكتاب، وأصدر الأزهر بياناً تكفيرياً ضد المؤلف، ولكن برأته المحكمة في حكم تاريخي أصدره المستشار سلامة سليم، ولم يكن هذا هو الكتاب الوحيد للقمني، بل أوصي الأزهر بمصادرة كتابه «شكر بن لادن». وفي عام ٢٠٠٣ رفع الدكتور محمد عمارة تقريراً إلي الأزهر يطالب فيه بمصادرة كتاب «الخطاب والتأويل» لأنه يطعن اثنين من ثوابت العقيدة الإسلامية وهما التوحيد وحفظ القرآن. وهذا يعني أن عمارة أعطي لنفسه الحق في تكفير باحث آخر هو الدكتور نصر أبوزيد واتهمه بالردة، ووصل الأمر إلي رفع دعوي تكفير وارتداد وضرورة التفريق بين نصر حامد أبوزيد وزوجته. وبعد زوبعة مصادرة كتاب «سقوط الإمام» لنوال السعداوي، فجر مجمع البحوث الإسلامية قنبلة جديدة بمصادرة كتاب جمال البنا «مسؤولية فشل الدولة الإسلامية» الذي يتيح زواج المتعة للمسلم المغترب في دولة أجنبية، وتم تداول الكتاب مدة ١٠ سنوات حتي صودر، وفي عام ٢٠٠٤ أصدر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قراراً بمصادرة ٤ كتب من بينها رواية سقوط الإمام الغزالي لنوال السعداوي التي نشرت عام ١٩٧٨ واعتبر المجمع هذه الرواية قائمة علي أحداث خيالية وأنها تضمنت إساءات بالغة للإسلام. كتابان آخران لضابطي شرطة الأول هو كتاب حمدي البطران الصادر عن دار الهلال «يوميات ضابط في الأرياف»، والثاني «اعترافات ضابط شرطة» لمحمود قطري، وقد صادرته وزارة الداخلية لأنه يتضمن الكثير من تفاصيل الكواليس في الشرطة بدءاً من شروط قبول الطلبة المتقدمين لكلية الشرطة، كما لم ننس الرواية التي دفعت بثلاثة أفراد للسجن وهي رواية: «مسافة في عقل رجل» لعلاء حامد، حيث تم إلقاء القبض علي مدبولي وفتحي فضل ومؤلفها، وحوكم الكاتب الذي حاول الانتحار بموسي حلاقة داخل القفص أثناء نظر القضية، أيضاً حظي الدكتور أحمد صبحي منصور بملاحقة ضارية إثر صدور كتابه «حد الردة» عام ١٩٩٣، والذي نشرته مجلة القاهرة في العدد الثاني والخمسين سنة ١٩٩٥، كما نشرت «الأحرار» فصولاً منه، ومن بعده «الحسبة بين القرآن والتراث». أما كتب الشعر الممنوعة، فنذكر منها ديواني نزار قباني «قالت لي السمراء» و«طفولة نهد» اللذان كان يتم تداولهما سراً في الستينيات، إلي جانب ما لاقته قصائده السياسية الساخنة من ملاحقة، من بينها قصيدة «هوامش علي دفتر النكسة»، وبسببها منعت في الإذاعة كل أغاني نزار قباني، إلي أن أرسل نزار قباني رسالة لعبدالناصر، فأمر بتدارك الأمر، ومن القصائد الممنوعة أيضاً «... أميات نجيب سرور» وأغاني الدويتو الرائع أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، والتجربة الغنائية الملحمية للشاعر الغنائي الراحل محسن الخياط بعنوان «حكايات بهية». ولم يكن صلاح جاهين بمنأي عن الممنوع، حيث إن رباعياته تضمنت أبياتاً لم يتم إدراجها في الألبوم الذي تضمنها مغناه سواء بصوت سيد مكاوي أو علي الحجار، وهي أبيات تتغزل في الجسد الأنثوي. وتعرضت قصيدة «أنت الوشم الباقي» للشاعر عبدالمنعم رمضان لكثير من الانتقادات في البرلمان، كما تعرض للمصادرة أيضاً ديوان الشاعر حسن طلب «آية جيم» لأنه يصطدم بالقيم الدينية، وجمع من السوق بعد توزيعه بضغط أزهري. تمنع السينما لثلاث: الدين والجنس والسياسة لم يكن منطق المنع في السينما المصرية هو نفسه المنطق الذي يتعامل به المجتمع في كل جوانبه، ربما لأن السينما كفن كانت ممنوعة لفترة طويلة علي أبناء الطبقة المحافظة، وربما لأن هذا المنع ارتبط بطبيعة هذا الفن، الذي اعتبره الكثيرون خروجاً علي التقاليد المصرية، لكن المؤكد أن الممنوع في السينما منذ بداياتها اتخذ طابعا دينياً محافظاً بحتا، ليتصدر الجنس والسياسة والدين بكل أشكالها قائمة المنع والحظر، لتزايد محاذير الرقابة من آن إلي آخر وتتطور حسب المناخ الذي يسود البلاد. تجسيد شخصية الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان أول صدام بين الأزهر وصانعي السينما، بعد إقدام يوسف وهبي عام ١٩٢٦ علي تجسيد شخصيته، والتي رشحه لها وداد عرفي، لكن «وهبي» لم يلبث أن تراجع، بعد حملة شنها ضده الأزهر علي صفحات جريدة «الأهرام». بعد ستة أعوام وفي عام ١٩٣٢ اندلعت نيران أخري بسبب فيلم «أولاد الذوات» الذي كتب قصته وحواره يوسف وهبي، وكتب له السيناريو وأخرجه محمد كريم، حيث وصفت جريدتا «المقطم» و«لابورص» الفيلم بأنه «مبني علي التعصب، حيث يقدم المرأة الفرنسية بصورة سيئة»، وتقدم عدد من الأجانب بشكوي للداخلية، فندبت الوزارة المستر «جرالفير» علي رأس لجنة لمشاهدة الفيلم، ولم يجد فيه شيئاً، إلا أن الداخلية أوقفت الفيلم بعد يوم واحد من عرضه. وفي ١٨ فبراير عام ١٩٣٧ بدأ عرض فيلم «ليلي بنت الصحراء» إنتاج وإخراج وتمثيل «بهيجة حافظ»، وكان يصور الصراع بين العرب والفرس، لكن الحكومة منعت عرضه بسبب زواج ولي عهد إيران «رضا بهلوي» من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، ثمة صراع آخر كاد يشتعل بسبب فيلم «لاشين» من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما التابعة لبنك مصر وإخراج فراتز كرامب، عن قصة الكاتب الألماني فون ماين، وسيناريو ستيفن هارس، وحوار أحمد رامي، وبعد موافقة الرقابة علي عرض ١٧ مارس ١٩٣٨، منع عرضه بحجة أنه يتعرض لنظام الحكم الملكي، لكن تم السماح بعدها بعرض الفيلم. ولأن الوفد كان الحزب الأول في مصر عام ١٩٤٢، أثار فيلم «من فات قديمه» ضجة كبري، حيث تناول فيه، منتجه يحيي السيد ومخرجه فريد الجندي، الصراع الحزبي في مصر، وهاجما النحاس باشا وزوجته، ولكن قبل عرض الفيلم، عاد الوفد إلي الوزارة، وحذفت الحكومة ما يقرب من ٤٨٠ متراً من مشاهده، فأصبح السياق فارغاً، وبعدها بعام عرض الفيلم كاملاً فثار الجمهور، وكاد يحطم دور العرض. وكانت الفترة بين الحربين العالميتين الأولي والثانية خصبة لدخول الكثير من التيارات اليسارية علي صناعة السينما، حيث منع فيلم «مسمار جحا» أوائل عام ١٩٥٢، رغم أنه مأخوذ عن مسرحية لـ «علي أحمد باكثير»، كان سبب المنع هو ما انطوي عليه الفيلم من تعرض للطبقة الحاكمة، لكن تمت الموافقة علي عرضه قبل قيام ثورة يوليو بيوم واحد. وكانت عبارة «تراعي الدقة والحذر في ذكر المواضيع التاريخية ومشاهير الرجال» التي وردت بنص قانون الرقابة، وراء منع وتأجيل عرض كثير من الأفلام، منها فيلم «مصطفي كامل»، الذي منع عرضه، ولم يتم السماح به إلا بعد قيام ثورة يوليو ٥٢، فيلم واحد فقط منع عرضه بعد قيام الثورة، هو فيلم «الله معنا» إخراج أحمد بدرخان عن حرب فلسطين، والذي شاهده جمال عبدالناصر بعدها بثلاث سنوات، فاندهش لقرار منعه وأمر بعرضه، ومع صدور أول قانون للرقابة عام ١٩٥٥، وبعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، تعرضت أفلام «العصفور» ليوسف شاهين، «وزائر الفجر» لممدوح شكري، و«التلاقي» لصبحي شفيق، و«جنون الشباب» لخليل شوقي، للمنع من العرض مدداً تراوحت بين عامين و٨ أعوام، وما عرض منها بعدها، كان بعد حذف الكثير من مشاهده. وفي عام ١٩٧٦ صدرت القواعد الأساسية للرقابة، والتي أضافت مزيداً من البنود التحريمية الدينية، أو الجنسية، والتي كانت وراء التربص لأفلام «السقا مات» لصلاح أبوسيف عام ٧٧، و«يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق صالح عام ٦٩، وكانت معركة فيلم «المذنبون»، ـ الذي بدأ عرضه في ١٦ أغسطس ٧٦ ـ هي الأقوي، فقد تعرض الفيلم للحذف أكثر من مرة، وعندما فاز الفيلم بجائزة وزارة الثقافة كأحسن فيلم مصري عرض وقتها، أحالت الوزارة ١٥ عاملا في الرقابة للنيابة الإدارية، بسبب موافقتهم علي عرض الفيلم وتصديره، وتمت إحالتهم للمحكمة التأديبية المختصة، في ٩ يناير ٧٩، واستمر نظر القضية حتي عام ١٩٨٢، حيث صدر الحكم بإدانة الرقباء، الذين سيطر عليهم الرعب، بشكل انعكس علي قراراتهم فيما بعد. وفي مطلع الثمانينيات دارت معركة بين الرقابة وصناع السينما حول فيلم «الغول» لعادل إمام وسمير سيف، ومنعت الرقابة عرضه في مايو ٨٣، بدعوي تشابه اغتيال الشخصية الرئيسية في الفيلم، واغتيال السادات في أكتوبر ٨١، وبعد أسابيع وافقت الرقابة علي العرض، بعد حذف المشاهد التي توحي بالتشابه، معركة ثانية دارت بسبب فيلمي «درب الهوي» لحسام الدين مصطفي، و«خمسة باب» لنادر جلال، حيث منعت الرقابة عرضهما في ٢٣ أغسطس ٨٣، استجابة لضغوط الصحفيين ووصفهم الفيلمين بأنهما يسيئان لمصر، وتدافعت أقلام كبار الكتاب والصحفيين وقتها تصفق لقرار الوزير بمنع الفيلمين، بل طالب أكثرهم بمنع فيلم «عنتر شايل سيفه»، لأنه لا يقل عنهما في إساءته لمصر، وأيضاً فيلم «البنت لولا» لنادية حمزة، لكن حسام الدين مصطفي أقام دعوي ضد وزير الثقافة وصدر الحكم لصالحه بعرض «درب الهوي»، ثم «خمسة باب» عام ٩١. ويمكن اعتبار الفترة من ١٩٨٤ إلي ٢٠٠٠ فترة هدوء نسبي، فلم تمنع الرقابة أي فيلم مصري، رغم كم المطالبات المستمرة من بعض الكتاب والصحف لمنع عرض بعض الأفلام، ودخل مجال المطالبة بالمنع أناس لا علاقة لهم بالمجال، حيث أقام ضابط شرطة عام ٨٦ دعوي قضائية لمنع عرض فيلم «للحب قصة أخري» لاحتوائه علي مشاهد جنسية، وتعرض فيلم «القاهرة» ـ فيلم قصير ليوسف شاهين ـ لنفس المطالبة بالمنع عام ١٩٩١، وفي عام ٩٢ طالبت بعض الأقلام بمنع فيلم «ناجي العلي» لعاطف الطيب، لدرجة أنه منع من الاشتراك بالمهرجان القومي للأفلام الروائية. فصل آخر من قصة المنع يحتله فيلم «المهاجر» ليوسف شاهين، الذي تزامنت معركته مع محاولة اغتيال نجيب محفوظ عام ١٩٩٤، حيث أقام أحد المحامين دعوي لإيقاف عرض الفيلم، والتي نظرت فيها محكمة الأمور المستعجلة، في ظل حملة الهجوم التي شنتها الصحف وكبار الكتاب ضد شاهين، اتهموه فيها بالخيانة والكفر، وفي عام ٢٠٠١ هاجمت الصحافة فيلم «الأبواب المغلقة» لعاطف حتاته، واعتبروه فيلماً مشبوه التمويل، يتطاول علي قيم الشعب المصري، بما يحويه من مشاهد جنسية، ولا يختلف اثنان علي عنف المعركة التي خاضها فيلم «الرسالة» للراحل مصطفي العقاد، والذي أجازه الأزهر في السبعينيات، وقبل عامين منع الأزهر تصوير حمزة عم الرسول في فيلم الرسوم المتحركة «محمد رسول الله»، في نفس الوقت الذي منع فيه فيلم «بروس المايتي» لتجسيد أحد أبطاله شخصية الخالق. وكانت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية قد أصدرت بيانا ضد فيلم «بحب السيما»، ووصل الأمر لساحات القضاء، مطالبين بوقف عرضه ومعاقبة أصحابه، أما أحدث الأفلام الممنوعة في مصر فهو فيلم «شفرة دافنشي»، ورغم أنه حقق أعلي الإيرادات في الخارج، فإن رؤساء الكنائس في مصر أصدروا بياناً أدانوا فيه الفيلم، تزامن مع منع الرقابة عرضه. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق